ما الذي يحدث في فلسطين؟
وما هي تداعياته القريبة وفي المدى المنظور؟
وهل لما حدث اسباب غير تلك التي يتداولها أغلب دول العالم بشأن ما جرى في السابع من اكتوبر في الاراضي المحيطة بغزة؟
وما هو مستقبل منطقة الشرق الأوسط وخاصة الدول المحيطة باسرائيل؟
وما هي علاقة كل ما يجري بخطط اعادة ترتيب المنطقة واسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات، وبلقنة منطقة الشرق الاوسط، والصراع الامريكي الأطلسي الصيني الروسي ؟
أحد أهم مراكز التفكير في اوروبا عقد ورشتي عمل باحدى الدول الاوروبية للاجابة على الاسئلة السابقة بحضور نخبة من أهم خبراء ادارة الازمات وصحفيي الأمن والدفاع المعروفين وتوصل الى الخلاصة التالية
ما حدث في السابع من اكتوبر في محيط مدينة غزة ليس هو السبب الرئيسي لحرب الابادة المدمرة التي تجري الآن، فإسرائيل لديها خططها بشأن تهجير سكان غزة والضفة منذ في العام 1968، ففي هذا العام طرحت الحكومة الاسرائيلية على الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا مشروعاً يقوم على مبدأ تعزيز انتقال الفلسطينيين من غزة للانتقال والعيش في الضفة الغربية ومنها الى الاردن – التي ستختفي كدولة أو اغلبها في المستقبل كدولة مستقلة – وتعود العائلة الهاشمية الى جزء من نجد والحجاز – مثلما كانت من قبل، وتهجير سكان غزة مباشرة الى مصر – سواء في سيناء أو في مناطق اخرى لايهم .

كانت اسرائيل تحتل سيناء حين طرح هذا الاقتراح، ولذا بُنيت الفرضية برمتها على ان سيناء ستظل محتلة ويمكن تهجير سكان غزة اليها ولاحقاً الى مناطق أخرى في العالم العربي، دون أن يظهر الأمر موجهاً ومدبراً من إسرائيل، بل بصورة عفوية تلقائية…واذا تعذر الأمر على هذا النحو يمكن تدمير غزة كلها وتحويلها الى مناطق مدمرة غير مأهولة – ولو بدفن النفايات النووية فيها
المشروع الصهيوني قوبل حينها من الولايات المتحدة بعدم ترحيب وكذلك لم يجد نجاحاً يذكر في ضوء عرقلة مصر عمليات تشجع فلسطينيي قطاع غزة للذهاب إلى الضفة الغربية التي خضعت، كما القطاع، للاحتلال الإسرائيلي.
في العام ذاته 1968، ناقشت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطة لتهجير طوعي تتضمن نقل 200 ألف فلسطيني من غزة للانتقال والعيش في دول، بينها ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزيلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الخطة لم تنجح بسبب رفض كثير من الدول القبول باستضافة الفلسطينيين على أراضيهم.
مشروع العريش 1970
بعد ذلك بعامين – أي في عام ١٩٧٠ سعى قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي حينها آرئيل شارون الذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، لتفريغ قطاع غزة من سكانه، فقام بنقل المئات من عائلات غزة في حافلات تابعة للجيش وألقى بهم خلف قناة السويس من جهة سيناء التي كانت تحتلها إسرائيل في ذلك الوقت، وجزء آخر تم توجيهه نحو العريش على حدود غزة.
كانت خطة العريش تتضمن منح من يريد المغادرة من غزة إلى مصر للدراسة والإقامة والعمل الإذن مع منح حوافز مالية؛ لمحاولة خلق واقع سكاني جديد في غزة بهدف تصفية المقاومة، وتفريغ ازدحام السكان الذين كان عددهم آنذاك 400 ألف مواطن.
ورغم أن هذا المشروع لقي رواجاً نسبياً بالتزامن مع دعوة وزير الخارجية آنذاك موشيه ديان لسياسة „الجسور المفتوحة“ للفلسطينيين مع مصر والأردن، لكن المسألة اقتصرت على سفر الفلسطينيين من غزة الى مصر إما للدراسة والعودة بعد سنوات، أو التوجه من هناك للعمل في دول الخليج مع بداية الطفرة النفطية.
مشروع „غيورا أيلاند“ 2000
قدم اللواء في الاحتياط الذي ترأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي „غيورا أيلاند“ مشروعاً أطلق عليه „البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين“، ونشرت أوراقه في مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية.
ينطلق المشروع من افتراض أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، لكنه مسؤولية تقع على عاتق 22 دولة عربية.
بموجبه ستقدم مصر تنازلاً عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيلٍ ضلعه الأول 24 كيلومتراً، يمتد بطول الساحل من مدينة رفح غرباً وحتى حدود مدينة العريش في سيناء، والضلع الثاني طوله 30 كيلومتراً من غرب معبر كرم أبو سالم ويمتد جنوباً بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية.
وتعادل المنطقة المقترحة ضعفي مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلومتراً مربعاً، وهي توازي 12% من مساحة الضفة الغربية، وفي مقابل ذلك سيتنازل الفلسطينيون عن المساحة ذاتها المقترحة للدولة الفلسطينية في سيناء من مساحة الضفة الغربية وضمها إلى السيادة الإسرائيلية.
أما مصر فستتحصل على تبادل للأراضي مع إسرائيل، من جنوب غربي النقب (منطقة وادي فيران) بالمساحة ذاتها مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعماً دولياً. وظل اقتراح آيلاند حبيس المشاورات الإسرائيلية الأمريكية.
رغم التركيز الإسرائيلي على هذا المشروع لكن توقيت صدوره شكل سبباً في فشله، لأنه جاء عقب تعثر مفاوضات كامب ديفيد بين ياسر عرفات وإيهود باراك، واندلاع انتفاضة الأقصى، وإغلاق صفحة المفاوضات الثنائية سنوات طويلة.
مشروع يوشع بن آريه 2004
قدّم الرئيس السابق للجامعة العبرية، يوشع بن آريه، مشروعاً تفصيلياً لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، ينطلق من مبدأ تبادل الأراضي الثلاثي بين مصر وإسرائيل وفلسطين والذي عرف سابقاً بمشروع „غيورا أيلاند“.
تنطلق الفكرة من تسليم أراضٍ لدولة فلسطين من منطقة سيناء، وهي منطقة العريش الساحلية مع بناء ميناء بحري عميق المياه وقطار دولي بعيد عن إسرائيل ومدينة كبيرة وبنى تحتية ومحطة للطاقة الكهربائية ومشروع لتحلية المياه.
أما مصر فستحصل على أراضٍ من صحراء النقب جنوب إسرائيل بالمساحة ذاتها التي ستمنح من سيناء للفلسطينيين بحدود 700 كيلومتر مربع، مع ضمانات أمنية وسياسية إسرائيلية بأن لا بناء استيطانياً في المنطقة الحدودية مع مصر، مع السماح لمصر بإنشاء شارع سريع وسكك حديدية وأنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي.
رغم أن هذا المشروع اقتبس كثيراً من أفكار مشروع أيلاند فإنّ تزامن إعلانه مع الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وفوز حماس في الانتخابات التشريعية، ثم سيطرتها على غزة، وبدء الحصار الإسرائيلي لها، وضع العديد من العصي في دواليب نجاح المشروع.
مشروع صفقة القرن 2018
آخر مشاريع التصفية بالنسبة لدولة غزة هو مشروع صفقة القرن الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في العام 2020، تحت عنوان „السلام على طريق الازدهار“.
ولم يختلف مشروع صفقة القرن عن سابقه من مشاريع التصفية التي طرحت سابقاً، إذ تضمنت المحاور ذاتها، وأهمها أن تتنازل مصر عن أراضٍ في سيناء لغرض إقامة مطار ومصانع ومراكز للتبادل التجاري ومشاريع زراعية وصناعية تساهم بتشغيل مئات آلاف العاملين، وتقام الدولة الفلسطينية في هذه المنطقة بشرط أن تكون منزوعة السلاح.
حظيت صفقة القرن بتأييد وتحشيد دولي كبير، وكادت الخطة أن تجد طريقها للتنفيذ بعد تفاهم ترامب مع مصر والسعودية وإسرائيل بالذات حول العديد من تفاصيلها، لكن عدم نجاحه في ولاية رئاسية ثانية قطع الطريق على تنفيذها، رغم أن ما تدعو إليه اليوم الإدارة الأمريكية الديمقراطية إنما يعبر عن روح صفقة القرن، وإن لم يحمل اسمها
.
في النهاية، لم تحقق صفقة القرن أي نتائج ملموسة، بعد خسارة الرئيس الأمريكي السابق الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن. وقد أدت الخطة إلى تعميق الخلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإلى مزيد من التوتر في المنطقة.
محاولات تهجير بالقوة
في أعقاب التصعيد العسكري الأخير، دعا بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى تهجير سكان قطاع غزة. ومن بين هؤلاء وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس، الذي قال إن إسرائيل „ستنظر في خيارات تشمل تهجير سكان غزة“.
رفضت الحكومة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى وأبرزها حركة حماس، بشدةٍ دعوات التهجير. واعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن هذه الدعوات „جريمة حرب“ و“نكبة ثانية“.
في فجر السبت 7 أكتوبر2023، أطلقت „حماس“ وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية „طوفان الأقصى“؛ رداً على „اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، لا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة“.
في المقابل، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية „السيوف الحديدية“، ويواصل شن غارات مكثفة لليوم الخامس توالياً على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني، يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006
بمرور الوقت – قامت اسرائيل بتدمير جزء هائل من قطاع غزة وشن حملة عنيفة على الضفة الغربية – واجبار عشرات الالاف من الفلسطينيين لمغادرة مناطقهم شمال القطاع في اتجاه الجنوب ليقتربوا اكثر وأكثر من سيناء، ما يوحي بأن اسرائيل قامت بتفصيل مشروعاً جديداً للتهجير ليس فقط من قطاع غزة بل ايضاً ، وبحسب تصريحات مسؤولين اسرائيليين من الضفة الى الاردن، ما يعني البدء العملي لتنفيذ ليس فقط مشروع صفقة القرن، بل ايضاً قطع شوط واسع من وجهة نظر تل ابيب لبناء الدولة الكبرى من النيل الى الفرات
لم تكن صدفة اذاً ما قاله وزير المالية الاسرائيلي في باريس، في مارس ٢٠١٣ من انه لا يوجد شيء اسمه فلسطين والشعب الفلسطيني، وان هذا اختراع عربي ، وان السكان العرب في الضفة وغزة مثلهم النهائي في سيناء والضفة – هذا الكلام قاله وزير المالية الاسرائيلي وبجانبه خريطة للمنطقة لا يوجد بها دولة الاردن وبداخل اسرائيل مناطق من مصر وسوريا ولبنان والسعودية، ما اثر الكثير من اللغط حول سعي اسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة بالفعل لاعادة تفتيت وبلقنة المنطقة مرة أخرى، واعاد طرح الكثير من الاسئلة حول علاقة كل ما يجري باكتشافات حقوق الغاز امام سواحل غزة.
الايام والشهور المقبلة ستبين ما اذا كانت اسرائيل ستستطيع بالفعل بلقنة الشرق الاوسط وتحويله الى دويلات متصارعة لتحقق دولتها من النيل الى الفرات أم ان السحر سينقلب على الساحر – ويعود الاسرائيليون الى بلدانهم الام تحت وطأة حرب كبرى تنتهي بانشاء الدولة الفلسطينية على كامل الاراضي التاريخية لفلسطين