لماذا تدخلت “صاحبة الجلالة” في الحرب
IIC Berlin

محمد سليم قلالة

عن الشروق

لا يكفي أن نصف ما يحدث اليوم في فلسطين بالمقاومة، بل هو ثورة حقيقية وثورة شاملة لن تتوقف إلا بتحقيق النصر أو الاستشهاد الجماعي.. لأول مرة في تاريخ الثورات يكون الشعب برمته مستهدفا وبكافة الوسائل محاصر في مكان واحد.. لأول مرة في تاريخ البشرية يحدث ما يحدث اليوم من إبادة على مرآى ومسمع كل العالم وعلى المباشر.. ولأول مرة في تاريخ البشرية نجد مثل هذا التصدي الجماعي للقوى المعادية دون كلل ولا ملل ولا خوف بوسيلة وحيدة فريدة من نوعها هي أقوى من السلاح والدبابات والطائرات: أي قوة الإرادة والعزيمة والصبر، عجزت أمامها كل الوسائل الصهيونية المستخدَمة فسارعت إلى طلب النجدة من حليفها الغربي بمختلف دوله..
وجاءتها الاستجابة فورية من الجميع: الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا حتى أستراليا واليابان!! إلا ان آخر أنواع الاستجابات وأهمها لم تكن من أمريكا، بل من بريطانيا الصديق الوفي وصاحبة تقديم الوعد الأول المشؤوم وعد “بلفور” أي بريطانيا!!! أرسلت منذ يومين طائرات الاستطلاع والتجسس لدعم قدرات الكيان تحت غطاء البحث عن الرهائن!! كما أرسلت سفينتها الحربية “اتش أم إس دايموند” المسماة “صاحبة الجلالة” لباب المندب تحت غطاء حماية طرق النقل البحرية..
فلماذا هذا التدخل البريطاني بطائرات الاستطلاع المتطورة وبصاحبة الجلالة؟
يقدِّم هذا التدخل الواضح والعلني للقوات البريطانية في الحرب الظالمة على غزة وعلى كل فلسطين إلى جانب تدخلها المصرَّح به في غرفة العمليات العسكرية في تل أبيب وغلاف غزة، فضلا عن تدخلها السري غير المُعلَن، دليلا آخر على أمرين:
-الأول فشل الصهاينة في كسر شفرة أبطال الثورة الفلسطينية في غزة، وهو فشل علمي وتكنولوجي واستخباراتي بالدرجة الأولى..
-الثاني: تورط بريطانيا في هذا العدوان الصهيوني على الفلسطينيين بما لا يدع مجالا للشك بما يعني ذلك من الدفع خطوة أخرى نحو تحويل هذه الحرب إلى حرب عالمية ضد الفلسطينيين وليست حربا صهيونية فلسطينية محدودة.
– الثالث: انكشاف إصرار بريطانيا على مواصلة سياسة وعد بلفور بطرق جديدة بإعطاىها ما لا تملك لمن لا يستحق.. أي إعطاء فلسطين التي لا تملكها للصهاينة الذين لا يستحقونها..
وفي هذا دليل آخر أن الدور البريطاني مازال لحد الآن ومنذ أكثر من قرن من الزمن الأكثر خطورة وعرقلة في مسار تحرير فلسطين، حتى أخطر من أدوار الأمريكيين والصهاينة أنفسهم..
وعليه فإن دول الجنوب برمته وليس دولة فلسطين فقط، أصبحت جميعها تُدرِك اليوم، أن الدول الغربية تشترك مع بعضها البعض في هذا العدوان الغاشم على غزة والضفة الغربية، وتَبيَّن لها بوصوح تام في الأيام الأخيرة كيف أن بريطانيا أصبحت رائدة في هذا المجال وتنافس حتى الولايات المتحدة في بشاعة تدخلها، برغم الموقف العادل والشريف للشعب الانجليزي المساند بوضوح لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، والرافض لسياسة حكومته القائمة على الانحياز التام والمفضوح للصهاينة..
هي هكذا الحرب على فلسطين تكشف العدو من الصديق، وتُبرز للعالم مَن هم الداعمون للقضايا العادلة الرافضون لاستمرار الهيمنة الغربية على العالم في شكل تحالف جديد ضد جنوبه المستَضعَف، ومَن هم العاملون على الإبقاء على القوى التقليدية والاستعمارية السابقة مهيمنة عليه… وصدق من قال أن الصراع على الأقصى هو “بارومتر” الصراع العالمي يكشف إلى أين تميل القوة ولصالح مَن ويكشف من أراد التخفي في السر على ممارساته العلنية، ويدَّعي أنه أرسل طائراته للبحث عن الرهائن و”جلالة الملكة” لحماية الملاحة البحرية… يا لها من حجج واهية لاستعمار قديم!!!

IIC Berlin